الاختراق الأمني الإسرائيلي لحزب الله- رسائل تصعيد أم مقدمة لحرب أوسع؟

المؤلف: صهيب جوهر10.11.2025
الاختراق الأمني الإسرائيلي لحزب الله- رسائل تصعيد أم مقدمة لحرب أوسع؟

ليس صدفة أن العملية الأمنية المعقدة التي أطلقها الجيش الإسرائيلي ضد عناصر حزب الله، والتي أسفرت عن عدد كبير من الجرحى والقتلى، تزامنت مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن إفشال محاولة اغتيال باستخدام عبوة ناسفة متطورة من نوع "كليماغور" قام بزرعها عناصر تابعةٌ لحزب الله. كانت تلك العبوة تستهدف مسؤولًا أمنيًا إسرائيليًا رفيع المستوى، وكان من المخطط أن تنفذ في الساعات القليلة القادمة.

هذه العملية النوعية تمثل منعطفًا حاسمًا في الصراع المزمن بين حزب الله بقوته ونفوذه الإقليمي واللبناني، وإسرائيل التي تسعى جاهدةً لاستعادة هيبتها وكرامتها بعد الإهانة القاسية التي تلقتها في السابع من أكتوبر الماضي. هذا التصعيد الخطير يكشف لنا عن سلسلة من الحقائق الميدانية الجديرة بالذكر:

  • أولًا: أراد الجانب الإسرائيلي، في خضم النقاشات المحتدمة والتهديدات المتصاعدة ومحاولات "تهدئة" الجبهة المتوترة، أن يوجه رسالة قاطعة وحاسمة مفادها أنه قادر على توجيه ضربة موجعة ومؤلمة لحزب الله دون تكبد خسائر فادحة في الأرواح أو تحمل أعباء مالية وعسكرية طائلة. وفي الوقت ذاته، أصبحت إسرائيل في أمس الحاجة لإثبات تفوقها وهيمنتها على خصومها في المنطقة.
  • ثانيًا: في ظل حالة توازن الرعب والمواجهة المفتوحة التي تهيمن على العلاقة بين حزب الله وإسرائيل، سعى الجانب الإسرائيلي بكل ما أوتي من قوة، وخاصة بعد إطلاق الحوثيين صاروخًا باليستيًا باتجاه تل أبيب، إلى تغيير قواعد اللعبة. ومع اقتراب الذكرى السنوية لعملية "طوفان الأقصى" المباركة، أخفقت إسرائيل فشلًا ذريعًا في القضاء على المقاومة الباسلة في غزة، أو اغتيال القائد العسكري لحركة حماس يحيى السنوار، ولهذا جاءت العملية المباغتة في لبنان كمحاولة يائسة لتنفيذ "7 أكتوبر" بنسخة إسرائيلية مشوهة.
  • ثالثًا: قبل ساعات معدودة من عملية تفجير أجهزة "البيجر" الحساسة، كان النقاش محتدمًا وبشكل معمق حول زيارة المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتاين إلى إسرائيل، الذي حمل معه رسالة واضحة تدعو إلى خفض التصعيد وتجنب المزيد من إراقة الدماء. لكن الموقف الإسرائيلي كان متصلبًا وعنيدًا في اتجاه التصعيد الخطير، بينما سعى الأميركيون جاهدين لحصر العمليات العسكرية في الجنوب أو البقاع لتفادي اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، مع تجنب التصعيد في بيروت والضاحية الجنوبية وتل أبيب.
  • رابعًا: في ظل التوقعات المتزايدة بشن عملية عسكرية برية أو جوية واسعة النطاق تترافق مع عمليات اغتيال شخصيات بارزة، لجأ نتنياهو إلى تنفيذ ضربة أمنية معقدة ومحكمة وعملية سيبرانية متطورة، كان الهدف الأساسي منها اختبار القدرات اللوجيستية لحزب الله، وإشغاله وإرباكه في بنيته التحتية الصحية والاجتماعية؛ تحضيرًا لعملية عسكرية أوسع وأشمل في الجنوب أو البقاع.
  • خامسًا: يظهر جليًا من هذه العملية الجريئة أن إسرائيل أرادت توجيه ضربة قاصمة لبنية الاتصال الداخلي لحزب الله، مما أوقع الحزب في حالة من الفوضى والارتباك الشديد التي قد تستغرق أسابيع عديدة لتجاوزها. ومع ذلك، فإن أجهزة "البيجر" المستهدفة لا ترتبط بشكل مباشر بالإطار العسكري للحزب، بل تقتصر على تسهيل التواصل بين القيادات السياسية والإدارية وعائلاتهم.
  • سادسًا: مع امتداد العملية العسكرية لتطال كوادر حزب الله في الأراضي السورية، يتضح بجلاء أن الخرق الأمني الإسرائيلي قد بلغ مستويات خطيرة وغير مسبوقة. سوريا، التي كانت على مدى سنوات طويلة مسرحًا لاستهداف مباشر من قبل إسرائيل، تشكل تحديًا أمنيًا كبيرًا لحزب الله الذي يواجه تحالفًا من الاستخبارات الإقليمية والدولية، والتحليق المستمر للطائرات المسيرة الإسرائيلية في الأجواء.

وعليه، يبقى السؤال المطروح بقوة هو: كيف سيكون رد حزب الله على هذا الاختراق الأمني الأكبر في تاريخه؟ وهل ستكون عملية اختراق وتفجير آلاف الأجهزة اللاسلكية بمثابة مقدمة لتوسع رقعة الحرب واشتعال المنطقة بأكملها؟

قبل العملية الأخيرة، كان حزب الله يدرك تمام الإدراك أن إسرائيل تعمل بهمة ونشاط على عدة مسارات متوازية: المسار التفاوضي والدبلوماسي، من خلال محاولة حشد الدعم الدولي للضغط على حزب الله ولبنان لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية؛ المسار الإعلامي، من خلال التسريبات الموجهة والتصريحات اليومية حول الاستعداد لتوسيع العملية العسكرية؛ وأخيرًا، المسار العسكري من خلال تكثيف الغارات الجوية كوسيلة لإجبار حزب الله على تغيير مواقفه الثابتة. وكان حزب الله يضع هذه الضغوط المتزايدة في سياق استباق زيارة هوكشتاين المرتقبة، الذي كان من المتوقع أن يحمل معه رسائل مباشرة ومحددة للمسؤولين في بيروت.

اليوم، وبعد ضرب البنية التحتية للاتصالات وما نتج عنه من آلاف الجرحى وعشرات القتلى والجثث المتناثرة، يجد حزب الله نفسه أمام تحدٍّ جديد وعصيب شبيه بالتحدي الذي واجهه بعد اغتيال القيادي البارز فؤاد شُكر. ورغم حرص الحزب الشديد على عدم الانزلاق نحو حرب إقليمية شاملة وواسعة النطاق، فإنه مضطر وملزم بالرد على هذا الاستهداف السافر والخطير، خاصة مع سقوط العديد من الضحايا المدنيين الأبرياء منذ بداية الحرب.

في المقابل، وعلى الجانب الإسرائيلي، تكثر التحليلات والتكهنات التي تدور حول أن ما حدث اليوم يمثل مقدمة لغزو بري واسع النطاق يهدف إلى التوغل بعمق منطقة جنوب الليطاني؛ وذلك بهدف إعادة توطين مستوطني الشمال الذين تم إجلاؤهم. لكن المنطق العسكري السليم يشير بوضوح إلى أن الجانب الإسرائيلي، على الرغم من كل التهويل والترويع، يدرك تمام الإدراك أن الحرب البرية ستكون نتائجها وخيمة وكارثية بأضعاف مضاعفة من نتائج اجتياح غزة، وذلك لأسباب عديدة ومتنوعة، أحد أبرزها هو القدرة القتالية العالية والخبرة الواسعة التي يتمتع بها مقاتلو حزب الله في جنوب لبنان.

من هذا المنطلق، يمكن فهم أبعاد الجولة المكوكية التي أجراها مدير الموساد ديفيد برنياع على عدد من الدول الأوروبية منذ أسابيع قليلة، ولقاءاته السرية مع نظرائه الغربيين، وما تردد من أنباء حول مناقشاته بشأن بنك أهداف عريض يشمل مناطق لبنانية متعددة، كمخازن أسلحة وصواريخ، ومنشآت عسكرية ولوجستية في الجنوب والبقاع، وأن حكومته المتطرفة الحالية تفضل تنفيذ عمليات جوية دقيقة لاستهداف هذه المواقع الحساسة.

لكن التحدي الأبرز والأكثر تعقيدًا بالنسبة للمؤسسات العسكرية والأمنية الإسرائيلية يكمن في التحصينات القوية والمنيعة التي أقامها حزب الله في الأودية والجبال الوعرة، والتي لا يمكن للطيران الحربي مهما بلغت دقته أن يحقق إصابات مباشرة فيها، مما يرفع بشكل كبير من مستوى التحدي أمام الإسرائيليين.

هذا الواقع الجغرافي المعقد يضع إسرائيل في مواجهة تحديات عسكرية وأمنية كبيرة ومعقدة، مشابهة لتجربة الإنزال الجوي الذي تم تنفيذه في منطقة مصياف السورية وتدمير منشأة لتطوير الصواريخ والطائرات المسيرة. لأنه في حال فكر الجيش الإسرائيلي في اللجوء إلى هذا الحل الميداني الخطير، فإن المسارات العسكرية ستنتقل إلى مرحلة جديدة ومفتوحة على مخاطر جسيمة وعواقب وخيمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة